آزموربين الأمس و اليوم

Par Al Mostafa Khay

Mars 2020

دائما في إطار المقارنة بين طقوس فترتي الخمسينيات والستينيات وما نعيشه اليوم، نتناول موضوعا حساسا وبالأهمية بما كان ، ألا وهي مسألة إرتداء الحجاب بين الأمس العفيف والحاضر المرير .. وأشهد الله عز وجل أني لا أقصد بالحديث عن هذه الظاهرة تشفيا أو طعنا أو قدحا أو مساسا بكرامة وبشرف المرأة التي أكن لها كل الإحترام وكل التقدير.
فتيات ونساء الحاضر ترتدين الحجاب لدوافع وأسباب ليست بواضحة المعالم، حيث كثيرا ما تضعن للأسف الحجاب أو بالأحرى تحط على شعرها ما يسمى « حجابا » ضمن لباس يتنافى في مجمله منطقيا وأخلاقيا مع السنة النبوية في تناول هذه الشعيرة الإسلامية ، إذ كيف يعقل أن ترتدي الفتاة والمرأة حجابا مع بنطال لصوق، أي سروال قصير لزج ولصيق بجسمها بطريقة مغرية تثير إعجاب وشهوة الرجال بالشارع العام. وترتديه أحيانا ضمن هندام مسخ لا يليق بها كامرأة تحترم نفسها وتعير إعتبارا واهتماما بقدسية محيطها الأسري والمجتمعي. كم مرة شاهدت بالصدفة وبحرقة ومرارة فتاة « محتجبة » في ود وعناق دون حرج مع خليلها بحديقة عمومية وكذا بالشارع العمومي على مرأى من المارة .. ما هكذا عايشنا الحجاب فترتي طفولتنا وشبابنا بأزمور ..
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، أهيب بك أختي أن تتمعني معي كيف كانت الأسرة المغربية عامة والأزمورية خاصة تتعامل مع مسألة الحجاب خلال حقبة الخمسينيات والستينيات. أولا، كانت جل التلميذات ترتدين قماشا حريريا (فولارا) يغطي رأسها وكامل رقبتها ولا يراها غير محرمها أبدا عارية الشعر .. بل أكثر من ذلك، عايشنا بدروبنا إبان طفولتنا وشبابنا أرباب أسر كانوا « يحجبون » بناتهم (كنا بالعامية نقول بنات فلان محجبات)، بمعنى أنه بمجرد ما تصل البنت سن التاسعة أو العاشرة من عمرها لم تعد تغادر بتاتا بيت والديها. فتجيب إن دعت الضرورة لذلك طارق باب المنرل، رجلا كان أم إمرأة، من وراء الباب بصوت خفي يكاد يسمع بالكاد. كذلك كانت تتصرف الفتاة المحجبة في تلك الفترة .. ومن الطرائف في هذا الباب، وكما ذكرت سالفا في منشور لي، كنا نلعب معا وسويا بنات وأولاد بالدرب. وكانت كلما تأخرت إحداهن في اللحاق باللعب معنا، نطرق باب بيتها قصد حثها على سرعة اللحاق بها، فنفاجأ بصوت الأم تجيبنا من وراء الباب بالعبارة التالية « لا يا وليداتي، سيرو لعبو لوحدكم، فلانة تحجبت ومن اليوم ما غداش تبقى تلعب معكم ». وأخذنا نتعود تدريجيا على سماع هذه العبارة كلما تخلفت فتاة عن موعد لعبها معنا .. وذكرا لمكارم الأخلاق، كان رب الأسرة ذات الفتيات المحجبات يكتري مرة في الشهر الحمام التقليدي المتواجد بالقرب من مسكنه، تلجه الأسرة لوحدها لتستحم به (الذكور أولا وبعدهم الإناث) من العاشرة ليلا ءالى الواحدة صباحا مقابل مائة ريال (خمس دراهم بالعملة الحالية) ثمن كان يعد مهما آنذاك، حيث كان ثمن الإستحمام عموما عشرة ريال (نصف درهم) بالتناوب للرجال من السادسة ءالى العاشرة صباحا، تليهم النساء مباشرة من العاشرة إلى السادسة مساء، فالرجال من السادسة مساء إلى العاشرة ليلا .. تلكم كانت مسألة الحجاب أمرا مقدسا لدي جميع الأسر بالمغرب عموما وبأزمور خوصا … أين نحن الآن من احترام المرأة لحجابها ؟ سوى من أخذ الله بأيديهن لصالح الأعمال وهداهن للطريق المستقيم .. لست هنا بصدد تأنيب الفتاة التي لا ترتدي الحجاب أو تجريحها ولا حتى حثها على إرتداء الحجاب .. لا أبدا ! ليس هذا من مهامي ولست مؤهلا له. وكل ما في الأمر : تحز في نفسي مسألة وضع الفتاة أو المرأة للحجاب دون الإلتزام بضوابطه فقط.

1 Response to "آزموربين الأمس و اليوم"

Leave a Comment